مساحة إعلانية 728×90

هل سيكون بقدرة منظّمة التحرير الفلسطينيّة إعادة النظر في الاتفاقيّات الموقّعة مع إسرائيل



كلّف المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ في البيان الختاميّ لدورة انعقاده الاعتياديّة بـ4 أيّار/مايو الجاري في مدينة رام الله اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعتراف الأخيرة بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران/يونيو من عام 1967، وإلغاء قرار ضمّ القدس الشرقيّة ووقف الاستيطان. وأكّد المجلس أنّ العلاقة بين الشعب الفلسطينيّ وإسرائيل تقوم على الصراع، داعياً إلى ضرورة تطبيق قرارات المجلس المركزيّ في دورتيه الأخيرتين (2015 و2018) بوقف التنسيق الأمنيّ بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بكلّ أشكاله والتحرّر من التبعيّة الاقتصاديّة الفلسطينية لإسرائيل التي كرّسها بروتوكول باريس 1994، بما في ذلك المقاطعة الاقتصاديّة للمنتوجات الإسرائيليّة.

وشدّد المجلس الوطني الفلسطيني في بيانه على ضرورة التزام اللجنة التنفيذيّة ومؤسّسات دولة فلسطين بالمباشرة في تنفيذ تلك القرارات، معلناً أنّ الفترة الانتقاليّة التي نصّت عليها الاتفاقيّات الموقّعة في أوسلو 1993 والقاهرة 1994 وواشنطن 1995، بما انطوت عليه من التزامات، لم تعد قائمة بسبب عدم التزام إسرائيل بتلك الاتفاقيات وانتهاكها عبر البناء في المستوطنات بالضفة الغربية والقدس الشرقية والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

وأكّد عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير واصل أبو يوسف لـ"المونيتور" أنّ اللجنة التنفيذيّة باشرت منذ جلستها الأولى بعد انتخابها في 4 أيّار/مايو الجاري، بدراسة كلّ ما انطوى عليه بيان المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، مشيراً إلى أنّ هناك لجان خبراء فلسطينيّة ستتشكّل لدراسة أبعاد إعادة تقييم العلاقات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة مع إسرائيل.

وأوضح أنّ منظّمة التحرير اضطرّت اضطراً إلى الذهاب في اتجاه إعادة تقييم العلاقة مع إسرائيل ووقف العمل بالاتفاقيّات الموقّعة، لافتاً إلى أنّ القرارات التي خرج بها المجلس الوطنيّ خلال العام الجاري وقرارات المجلس المركزيّ عاميّ 2015 و2018، سيجري العمل على تطبيقها خلال الفترة القريبة المقبلة.

بعض الاتفاقيات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لها مدة زمنية.. مثال ذلك اتفاقية باريس الاقتصادية التي وقعت عام 1994، مدتها 5 سنوات فقط، ولكن الطرفين السلطة وإسرائيل استمروا بالعمل بها بناءً على توافق بينهما ولكن يحق للسلطة أو إسرائيل الانسحاب منها.

وشدد أبو يوسف على أنّ القيادة الفلسطينيّة تدرك جيّداً تبعات تلك القرارات التي ستتّخذها في العلاقة مع إسرائيل، لافتاً إلى أنّ تحرّكات سياسيّة وديبلوماسيّة ستقوم بها القيادة الفلسطينيّة من أجل توضيح وجهة النظر الفلسطينيّة للعالم حول موقفها من تلك الاتفاقيّات.

القرارات الفلسطينيّة تلك لم تكن جديدة، بل أقرّ المجلس المركزيّ لمنظّمة التحرير في جلستيه عاميّ 2015 و2018 القرارات ذاتها، إلاّ أنّها لم تطبّق على أرض الواقع، من دون أن تقدّم المؤسّسات التنفيذيّة للسلطة الفلسطينيّة مبرّرات عدم تطبيقها، وهو ما جرّت عليه انتقادات داخليّة فلسطينية حادّة.

وقال مسؤول فلسطينيّ مقرّب من الرئيس محمود عبّاس، فضّل عدم كشف هويّته، لـ"المونيتور": "إنّ الرئيس طلب خلال اجتماعه مع أعضاء اللجنة التنفيذيّة الجدد وضع جداول زمنيّة لتطبيق قرارات المجلس الوطنيّ، وتحديداً تلك المتعلّقة في إعادة تقييم العلاقة مع إسرائيل على أن تناقش في الاجتماع المقبل قبل نهاية حزيران/يونيو المقبل".

وأكّد المسؤول الفلسطينيّ أنّ محمود عبّاس أبلغ حلفاء ودولاً صديقة (رفض تسميتهم) أنّه يبحث عن صيغة انتقاليّة جديدة بديلة عن المرحلة الانتقاليّة السابقة، والتي لم تعد قائمة بسبب السياسة الأميركيّة والإسرائيليّة الأخيرة في التعامل مع قضايا الحلّ النهائيّ للصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ.

وأوردت صحيفة "معاريف" الإسرائيليّة في 3 أيّار/مايو الجاري أنّ إسرائيل تبدي تخوّفاً من وقف التنسيق الأمنيّ بينها وبين السلطة، مشيرة إلى أنّ إسرائيل تقوم حاليّاً بتشجيع دول غربيّة عدّة، في مقدّمتها أميركا، على دعم أجهزة السلطة الأمنيّة ورفع كفاءتها، خوفاً من الفراغ الأمنيّ الذي قد يتركه وقف التنسيق الأمنيّ على إسرائيل والسلطة معاً، والذي يمكن لـ"حماس" استغلاله.

وأكّد الأمين العام لـ"حركة المبادرة الوطنيّة" مصطفى البرغوثي لـ"المونيتور" أنّ العبرة في القرارات التي أقرّها المجلس الوطنيّ هي في التنفيذ، لافتاً إلى أنّ هناك قرارات عدّة اتّخذت سابقاً ولم تنفّذ حتّى اليوم، وقال: إنّ القرارات التي خرج بها المجلس الوطنيّ اضطرّ إلى اتّخاذها، في ظلّ حالة الخطر والتصفية التي تتعرّض لها القضيّة الفلسطينيّة من قبل إسرائيل والولايات المتّحدة الأميركيّة، والتي بدأت بإعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مروراً بنقل السفارة الأميركيّة من تلّ أبيب إلى القدس في 14 أيّار/مايو الجاري، وليس أخيراً ما يسرّب حول صفقة القرن.

من جهته، توقّع المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة "الأيّام" الفلسطينيّة طلال عوكل في حديث مع "المونيتور" أن تطبّق القرارات التي أقرّها المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، رغم حالة التباطؤ في إقرارها، موضحاً أنّ السياسة التي تنتهجها السلطة الفلسطينيّة تقوم على الضغط والتهديد، وصولاً إلى التطبيق في حال عدم استجابة تلك الأطراف.

ولفت إلى أنّ القيادة الفلسطينيّة لم تلجأ إلى تلك القرارات، إلاّ بعد أن أدركت حجم الخطر الكبير الذي يتهدّد القضيّة الفلسطينيّة، رغم الأثمان الكبيرة التي قد تدفعها بعد التطبيق الفعليّ لتلك القرارات، معتبراً أنّ أيّ أثمان قد تدفع مقابل ذلك سيكون ضررها أخفّ على القضيّة الفلسطينيّة من الصمت والبقاء في حالة انتظار سلبيّة.

أمّا أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "النّجاح" الوطنيّة عبد الستّار قاسم فاستبعد في حديث مع "المونيتور" أن تطبّق مؤسّسات منظّمة التحرير والحكومة تلك القرارات، وقال: "إنّ السلطة الفلسطينيّة وجدت لتحقيق حالة من الأمن والاستقرار في المناطق التي تحكمها وتمنع أيّ أعمال قتاليّة ضدّ إسرائيل من قبل التنظيمات الفلسطينيّة. وبوقفها تلك المهام سيكون الاستغناء عنها سهلاً بالنّسبة إلى إسرائيل".

وتوقّع أن تستمرّ القيادة الفلسطينيّة في تصدير المواقف السياسيّة فقط للاستهلاك الإعلاميّ من دون أن تطبّق منها شيئاً على أرض الواقع خلال الفترة المقبلة، لافتاً إلى أنّ موقف السلطة الفلسطينيّة، وكذلك التنظيمات، بائس ولا يمكنهما مواجهة التحرّكات الأميركيّة والإسرائيليّة المتعلّقة بتصفية القضيّة الفلسطينيّة.

إعادة تقييم العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيّين قد تجد معوقات كبيرة، لا سيّما لدى الجانب الفلسطينيّ الذي يقوم اقتصاده على التبعيّة الكاملة للاقتصاد الإسرائيليّ، ناهيك عن تخوّف السلطة من إزالة الغطاء السياسيّ عن مؤسّساتها حول العالم إن أوقفت العمل بالاتفاقيّات الانتقاليّة مع إسرائيل.
 
يتم التشغيل بواسطة Blogger.