إطلاق مشروع الأرشيف الرقميّ لحفظ تاريخ فلسطين من الضياع والمصادرة
أعلن المتحف الفلسطينيّ
في بلدة بيرزيت بوسط الضفّة الغربيّة، في 18 شباط/فبراير، عن بدء العمل
بمشروع الأرشيف الرقميّ، الذي يعدّ المشروع الأكبر والأوّل من نوعه في
فلسطين، وسيمتدّ العمل به لمدّة 3 سنوات بتمويل مقداره 1.9 مليون دولار من صندوق أركيديا.
وسيهدف المشروع الى جمع اكبر كمية من الوثائق والصور (صور الحياة اليومية،
حياة المواطنين الشخصية، وثائق رسمية، الاتفاقات الرسمية، الاعمال الفنية
او الادبية ) لحفظها الكترونيا، كنوع من التوثيق للحياة الاجتماعية
والسياسية والثقافية، بما توفره تلك المواد من معلوماتستكون مرافقة لتلك
المواد.
صندوق أركيديا الممول للمشروع هو صندوق خيري مقره في بريطانيا، تأسس على يد ليزبيت راوسينغ وبيتر بالدوين عام 2001.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة مجلس إدارة المتحف الفلسطينيّ
زينة جردانة في حديث هاتفي لـ"المونيتور": "إنّ الأرشيف سيشكّل أحد أهمّ
مكوّنات المنصّة الرقميّة للمتحف، كونه سيوثّق 145 ألف مادّة أرشيفيّة
مهدّدة بالمصادرة أو التلف أو الضياع، وسيجري تحويلها إلى موادّ رقميّة
ونشرها باللغتين العربيّة والإنكليزيّة". ويجسّد مشروع الأرشيف الرقميّ
هويّة المتحف ويعزّز أداء مهمّته، باعتباره مؤسّسة ثقافيّة عابرة للحدود
تربط الفلسطينيّين وأنصار القضيّة الفلسطينيّة أينما وجدوا بتاريخ فلسطين
وحضارتها، وهذا ما سيتيحه الأرشيف الرقميّ، وفق ما اكدته جردانة
لـ"المونيتور". ويكتسب مشروع الأرشيف الرقميّ، حسب جردانة، أهميّة فريدة
واستثنائيّة لأنّه يتحدّى واقع التهديد المحدق بتاريخ الفلسطينيّين منذ عام
1948 حتّى اليوم.
وتعرّض جزء كبير من التاريخ الفلسطينيّ للتدمير على يدّ إسرائيل خلال فترات مختلفة، كان أبرزها خلال النكبة عام 1948، واجتياح بيروت عام 1982 حيث كان يتواجد مركز الأبحاث التابع لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، وإغلاق مؤسسة بيت الشرق
في القدس منذ عام 2001 ومصادرة ما فيه من وثائق ومستندات وأبحاث ودراسات
كونه كان مقرّ جمعيّة الدراسات العربيّة ومكتب المسؤول في منظّمة التحرير
فيصل الحسيني.
لن يقتصر نشر الأرشيف الرقميّ على موقع المتحف، بل ستستضيف جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس UCLA
نسخة عن الموادّ الأرشيفيّة، ستتكفّل بحفظها ونشرها على موقعها، ضمن اتفاق
شراكة وتعاون جرى بين المتحف الفلسطينيّ والجامعة بناء على توصيات المموّل
"صندوق أركيديا"، وفق ما أكّدته زينة جردانة.
وقالت جردانة أيضاً: "ننظر إلى المشروع كخطوة تأسيسيّة
للأرشيف الرقميّ الأوّل من نوعه في فلسطين. ولدينا الطموح لاستمرار العمل
به بعد انتهاء مدّته لتحقيق الهدف منه، وهو حفظ التاريخ من الضياع وإتاحة
الفرصة للأجيال المقبلة للاطّلاع عليه ودراسته".
وسيعتمد المتحف الفلسطينيّ في عمله على لجنة استشاريّة مؤلفة
من مؤرّخين وأكاديميّين وعلماء تاريخ من داخل فلسطين وخارجها كمرجعيّة عليا
للعمل، حيث ستقوم بوضع خطتها ورؤيتها في ماهية الماود التي سيتم جمعها
والمعلومان عتها، وتنظيم عمل 16 شخصاً سيجري توظيفهم، جزء منهم سيعمل
كباحثين لتحديد المجموعات والأشخاص الذين سيتمّ إحضار الموادّ الأرشيفيّة
منهم، والجزء الآخر سيعمل على الأرشفة الرقميّة، وفق ما أكّدته جردانة.
وستشكّل الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وداخل الخطّ الأخضر
والأردن ولبنان ساحة عمل لفريق المتحف الفلسطينيّ لجمع الموادّ التاريخية،
التي سيتمّ العمل على أرشفتها ورقمنتها الكترونيا، وفق جردانة.
من جهته، قال مدير مشروع الأرشيف الرقميّ في المتحف أياد عيسى
لـ"المونيتور": إنّ المتحف الفلسطيني يعمل على بناء بنية تحتيّة
معلوماتيّة لتسهيل آلية البحث وسرد ونقل الرواية الفلسطينية لدى الباحثين
والمؤرخين، وهذا ما سيوفّره الأرشيف الرقميّ الذي نعمل على اعداده للباحثين
حول العالم، وكذلك للاجيال الشابة من الفلسطينيين في مختلف انحاء العالم،
وان المشروع الممول من صندوق اركيديا سيوفر كافة المستلزمات التقنية لبناء
هذا الارشيف والذي سيحتضنه مبنى المتحف .
ورغم أنّ المشروع لا يزال في بدايته، إلاّ أنّ القائمين عليه
يعملون على بناء الفريق المكلف بالرقمنة وفريق الباحثين المكلف بالبحث وجمع
والبحث المواد التاريخية التي بحوزة الفلسطينيين من صور او تسجيلات او
وثائق او مواد فنية قديمة، لخلق نسخة الكترونية عنها وتوثيقها ورقمنتها،
وبعد ذلك اعادتها لهم.
وقال أياد عيسى: "نسعى إلى بناء طاقم العمل وتدريبه لإكسابه
الخبرات الضروريّة. وللأسف، فهذه غير موجودة في فلسطين. ولذلك، جاء التعاون
مع جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس الأميركيّة، والذي سيكون أحد أشكاله في
مجال التدريب، لأنّ الجامعة لديها فريق بإمكانات ومهارات عالية المستوى في
موضوع الأرشفة سيقوم بتدريب الطاقم الفلسطينيّ، إلى جانب التعاون بعرض نسخة
من الأرشيف على موقع الجامعة الإلكترونيّ."
ووفق الخطّة الموضوعة لتطوير عمل الأرشفة، فإنّ فريق العمل
خلال العام الأوّل من المشروع سيعمل على تأمين الموادّ التاريخيّة من
أصحابها واحضارها إلى المتحف ورقمنتها إلكترونيّاً في المكان المخصّص لذلك
داخل المتحف، ثمّ إعادة تلك المواد بعد ذلك إلى أصحابها، الذين قد يكونون
من مختلف الشرائح الاجتماعية الفلسطينية (اللاجئين، الصحفيين، التجار، رجال
الاعمال، العائلات) والذين كانوا يعيشون في مختلف المدن الفلسطينية
ويملكون ارشيفا تاريخيا، وكذلك من المؤسسات الفلسطينية التي تملك وثائق
وصور وسجلات حسب عيسى، الذي قال أيضاً: "في العامين الثاني والثالث، سيتمّ
العمل من خلال وحدات رقمنة متحرّكة تعتمد على الموبايل، بحيث يذهب فريق
البحث إلى القرى والمدن الفلسطينيّة لدعوة المواطنين إلى احضار ما لديهم من
موادّ، بالتنسيق مع المجالس البلديّة وأرشفتها في المكان نفسه من دون
الحاجة إلى إحضارها للمتحف".
وأكّد عيسى أنّ "المشروع يعدّ خطوة أولى وبداية جيّدة لتأسيس
وحدة أرشيف دائمة العمل في الأرشفة داخل المتحف، لا ينتهي دورها بانتهاء
المشروع".
من جهته، قال الكاتب والمحلّل السياسيّ سميح شبيب، الذي كان مسؤول قسم التوثيق والمكتبة في مركز الأبحاث الفلسطينيّ
في بيروت بين عاميّ 1980-1994، لـ"المونيتور": إنّ " التوثيق الفلسطينيّ
يعاني من مشكلات جمّة، منها أن الكثير من المعلومات التاريخية اختفت مع موت
أصحابها لأنّه لم يتم توثيقها وأرشفتها".
أضاف: "لقد فشلنا منذ اندلاع الثورة الفلسطينيّة في عام 1964
حتّى يومنا هذا، في تأريخ القضيّة الفلسطينيّة يوماً بيوم وفق مصادر ومراجع
يمكن الاطلاع عليها. ولذلك، فإنّ التوجّه لتطوير أداء الفلسطينيّين في
التوثيق والأرشفة الرقميّة سيكون مفيداً جدّاً لنا لكي نحفظ التاريخ
الوطنيّ على نحو صحيح ومتكامل".
وأشار إلى ضرورة تأسيس هيئة وطنيّة شاملة لوضع خطّة لعمليّة الأرشفة الرقمية للتاريخ الفلسطينيّ باكمله.
إنّ إطلاق مشروع الأرشيف الرقميّ سيساهم في حفظ جزء مهمّ من
التاريخ الفلسطينيّ للأجيال المقبلة بعد عقود ضاع فيها جزء من ذلك التاريخ
لغياب الأرشفة والتوثيق. كما سيحافظ على الرواية الوطنيّة والتاريخيّة
ويحميها من الاندثار، ويوفّر قاعدة معلومات للباحثين حول العالم.
أضف تعليق