توقّعات بزيادة العجز الماليّ في الموازنة العامّة الفلسطينيّة
الساحة الفلسطينية
صادق
الكنيست الإسرائيليّ في 7 أيّار/مايو الجاري بالقراءة الأولى على مشروع
قانون تقدّم به وزير الدفاع الإسرائيليّ أفيغدور ليبرمان ويقضي باقتطاع
وزارة المالية الإسرائيلية جزء من عائدات الضرائب الفلسطينيّة ليوضع المبلغ
المقتطع في صندوق إسرائيليّ لتعويض عائلات الإسرائيليّين الذين قتلوا أو
أصيبوا بفعل العمليّات العسكريّة الفلسطينيّة.
وكانت اللجنة الوزاريّة للتشريع الإسرائيليّة قد صادقت
على مسودّة القانون في 18 شباط/فبراير الجاري، قبل أن تحيله على الكنيست،
فيما ينتظر القانون المصادقة عليه بالقراءتين الثانية والثالثة ليصبح
نافذاً، وتعهّد أفيغدور ليبرمان في تصريحات نشرها في حسابه الشخصيّ على "تويتر" بـ7 أيّار/مايو الجاري أن يمرّر ذلك القانون بتلك القراءتين على وجه السرعة.
تجبي إسرائيل هذه الضرائب على
المعابر والموانئ التجاريّة لصالح السلطة الفلسطينيّة باستمرار، وذلك تحت
ذريعة دفع الأخيرة مبلغ 300 مليون دولار من تلك العائدات إلى الأسرى
الفلسطينيّين وعائلاتهم على شكل رواتب شهريّة.هذا وتشكّل أموال الضرائب
الفلسطينيّة ما قيمته 80 في المائة من الموازنة العامّة السنويّة للحكومة الفلسطينيّة فيما تغطّي الـ20 في المائة المتبقّية من الموازنة عبر المنح الخارجيّة من دول كالسعودية.
ودانت الحكومة الفلسطينيّة في بيانها الوزاريّ
الأسبوعيّ بـ8 أيّار/مايو الجاري مصادقة الكنيست الإسرائيليّ على القانون
بالقراءة الأولى، واعتبرته بمثابة قرصنة إسرائيليّة وسرقة للأموال
الفلسطينيّة، مشيرة إلى أنّ إسرائيل مقابل الأموال التي تجبيها نيابة عن
السلطة الفلسطينيّة تتقاضى ما نسبته 3 في المئة من عائدات الضرائب، والتي
تصل إلى 21 مليون شيكل شهريّاً تقريباً.
وقالت الحكومة: "إنّ سياسة
الخصم والاحتجاز، التي تتّبعها الحكومة الإسرائيليّة وإصرارها على التصرّف
بالأموال الفلسطينيّة بإرادتها المنفردة، مرفوضة جملة وتفصيلاً، وهي انتهاك
فاضح للاتفاقيّات والمواثيق الدوليّة، ومخالفة واضحة وخرق فاضح لالتزامات
إسرائيل وفق الاتفاقيّات الموقّعة".
وتنصّ اتفاقيّة باريس الاقتصاديّة
بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل الموقّعة في عام 1994، في المادة رقم 3
بند رقم 15 على ما يلي: "إنّ مقاصّة الإيرادات من كلّ ضرائب الاستيراد
والرسوم الأخرى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة (..)، فإنّ هذه الإيرادات
الضريبيّة ستخصّص للسلطة الفلسطينيّة، وحتّى لو قام مستوردون إسرائيليّون
بالاستيراد عندما يكون المقصد قد ذكر بوضوح على وثائق الاستيراد أنّ شركة
الاستيراد مسجّلة لدى السلطة الفلسطينيّة، وتقوم بنشاط تجاريّ في المناطق،
وسيتمّ تخليص هذا الإيراد خلال ستّة أيّام عمل من يوم جباية الضرائب
والرسوم المذكورة".
وأكّد عضو اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة أحمد مجدلاني
في حديث لـ"المونيتور" أنّ السلطة الفلسطينيّة لن تخضع لسياسة الابتزاز
الإسرائيليّة وستستمرّ في دفع رواتب أهالي الشهداء والأسرى الفلسطينيّين
حتّى لو اقتطعت إسرائيل تلك الأموال من العائدات الضريبيّة الفلسطينية،
لافتاً إلى أنّ ما تقوم به السلطة الفلسطينيّة هو نوع من الرعاية
الاجتماعيّة لتلك الأسر.
وأوضح أحمد مجدلاني أن الأموال
التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينيّة هي حقّ للفلسطينيّين وليست
منّة منها، مشيراً إلى أنّ إسرائيل باقتطاعها تلك الأموال تواصل سياسة
القرصنة الماليّة على الأموال الفلسطينيّة وانتهاك الاتفاقيّات الثنائيّة
الموقّعة.
من جهته، أكّد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين في السلطة الفلسطينيّة عيسى قراقع
لـ"المونيتور" أنّ القيادة الفلسطينيّة قرّرت عقب مشروع ذلك القانون
الاستمرار في دعم الأسرى والشهداء وعائلاتهم، معتبراً أنّ إسرائيل تحاول من
خلال مشروع ذلك القانون إظهار الأسرى والشهداء الفلسطينيّين على أنّهم
إرهابيّون، مطالباً البرلمانات الدوليّة والمؤسّسات التابعة للأمم المتّحدة
برفض مشروع ذلك القانون وإدانته ومقاطعة الكنيست الإسرائيليّ الذي اتّهمه
بأنّه يصادق على قوانين عنصريّة وضدّ الإنسانيّة عبر حرمان أهالي الشهداء
والأسرى من أموال الرعاية الاجتماعيّة.
هذا وجاءت المصادقة على مشروع
القانون الإسرائيليّ، بعد تصاعد الأصوات الإسرائيليّة المنادية بوقف تحويل
تلك الأموال إلى السلطة الفلسطينيّة خلال العام الماضي وبداية العام
الجاري، وفي مقدّمة تلك الأصوات رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو وليبرمان ووزير التعليم نفتالي بينت.
ورأى أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت نصر عبد الكريم في حديث لـ"المونيتور" أنّ اقتطاع إسرائيل مبلغ 300 مليون دولار سنويّاً من عائدات الضرائب الفلسطينيّة سيزيد من العجز الماليّ،
الذي تعاني منه الموازنة الفلسطينيّة ويقارب الـ500 مليون دولار، لافتاً
إلى أنّ ذلك العجز سيرتفع إلى 800 مليون دولار بعد القانون الإسرائيليّ
الجديد.
وبيّن أنّ الخيارات التي قد
تلجأ إليها الحكومة لتعويض ذلك العجز تتمثّل في خفض الإنفاق الحكوميّ على
قضايا حيويّة ومهمّة للمواطن الفلسطينيّ من تعبيد طرق وبناء مؤسّسات، أو
الاقتراض من مؤسّسات القطاع الخاص والبنوك، أو زيادة الجباية الداخليّة
(الضرائب) على المواطن، لافتاً إلى أنّ كلّ تلك الخطوات ستشكّل ضرراً على
الاقتصاد الفلسطينيّ عموماً، والمواطن خصوصاً، معتبراً أنّ هدف إسرائيل من
ذلك القانون، إلى جانب الضغط على السلطة الفلسطينيّة لعدم دفع رواتب
الشهداء والأسرى وعائلاتهم، هو تقييد حركة الاقتصاد الفلسطينيّ ومنع أيّ
نموّ قد يحقّقه في المستقبل القريب.
وتوافق رئيس تحرير صحيفة "الاقتصاديّة"
في غزّة محمّد أبو جياب في حديث لـ"المونيتور" مع سابقه في أنّ الخيارات
التي تتوافر أمام الحكومة لسدّ العجز الماليّ الجديد والطارئ الذي سينجم عن
مشروع ذلك القانون، هي ترشيد الإنفاق وتعزيز الإيرادات المحليّة من خلال
زيادة الضرائب على المواطن.
ولم يستبعد أن تزيد الحكومة
الفلسطينيّة نسبة الخصم الذي تقتطعه من رواتب موظّفي الحكومة في قطاع غزّة
للمساهمة في سدّ ذلك العجز، مشيراً إلى أنّ الخصوم التي قامت بها الحكومة الفلسطينيّة على رواتب موظّفي الحكومة في غزّة، والتي وصلت إلى 50 في المائة عن آذار/مارس الماضي سدّدت من خلالها العجز الشهريّ في الديون التي على الحكومة دفعها للقطاع الخاص.
وعلى ما يبدو، فإنّ السلطة الفلسطينيّة ستبقى تقدم
الرواتب إلى الآلاف من أهالي الأسرى والشهداء، والتي تشكّل لهم تلك
الرواتب مصدر دخلهم الوحيد، في ظلّ اعتقال أبنائهم أو استشهادهم خلال
مواجهات مع الجيش الإسرائيليّ، هذا إضافة إلى أنّ وقف السلطة الفلسطينيّة
لتلك الرواتب سيمثل انتحاراً سياسيّاً لها.
أضف تعليق