مساحة إعلانية 728×90

صوت "الغزالة البيضاء" يصدح باسم فلسطين رغم رحيلها


الساحة الفلسطينية

بينما كان الفلسطينيون يمارسون مقاومتهم السلمية في قطاع غزة، ويسيرون باتجاه حدود القطاع بشكل جماعي، ولا يزالوا يرابطون على حدود القطاع في مخيمات العودة بانتظار مسيرة كبرى سينظمونها في حزيران/ يونيو المقبل، اصدرت شركة انتاج نرويجية أسطوانة جديدة تحمل عنوان "صوت المقاومة"، للفنانة ريم بنا، بعد وفاتها، وهي الفنانة الفلسطينية والناشطة المعروفة بتقديمها الاغاني الفلسطينية التقليدية باسلوب وموسيقى حديثة.

وتوفيت بنا التي تعرف باسم جوان بيز نسبة الى المغنية الشعبية الامريكية واحد رموز الاغنية الاحتجاجية في امريكا، بمرض السرطان في 24 آذار/مارس، وبعد وفاتها بشهر اصدرت شركة الانتاج النرويجية KKV ، أسطوانة "صوت المقاومة"، مكونة من خمس عشرة اغنية موسيقية (14 من كلماتها، والأخيرة من كلمات الشاعر اللبناني زاهي وهبي)، وبدأ العمل عليها بعد اختفاء صوت ريم بسبب شلل في الوتر، وهو ما أعلنته في 18 كانون ثاني/يناير 2016.

بنّا هي إبنة ناصرة المسيح وتعرف بـ"الغزالة البيضاء" وهو تشبيه اطلقته عليها والدتها الشاعرة زهيرة الصباغ التي نعتها بعد موتها على صفحتها على موقع الفيس بوك قائلة "رحلت غزالتي البيضاء، خلعت عنها ثوب السقام ورحلت، لكنها تركت لنا ابتسامتها تضيء وجهها الجميل تبدد حلكة الفراق" حيث تعتبر بنا رمزاً للفنّ الفلسطينيّ الملتزم وصوت المقاومة من خلال الأغاني الوطنيّة والتراثيّة التي قدّمتها ولحنتها باسلوب حديث، رحلت بعد صراع 9 سنوات مع مرض السرطان، وبعد عامين ونصف من توقّفها عن الغناء بسبب شلل أحد حبالها الصوتيّة.

وبدأت بنّا الغناء في الـ12 من عمرها، وتطوّرت موهبتها بدراسة العلوم الموسيقيّة والغناء الحديث في روسيا لـ6 سنوات أنهتها في عام 1991، لتكون حصيلتها الفنّيّة 13 ألبوماً، طغى عليها الطابع الوطنيّ (الاغاني التراثية والتقليدية الفلسطينية، الاغاني الوطنية ) مع اهتمام خاصّ بالغناء للأطفال،
وعلى الرغم من حرص بنّا على تقديم الغناء الملتزم، إلّا أنّها خلقت لنفسها خطّاً موسيقيّاً مميّزاً عن غيرها، يعتمد على مزج الغناء الشرقيّ بالألحان الغربيّة، ودمج التهاليل الفلسطينيّة التراثيّة بالموسيقى العصريّة، وكانت محظوظة بوالدتها الشاعرة زهيرة الصبّاغ، التي رسمت لها طريق الغناء منذ صغرها، وساعدتها على ابتكار اتّجاه معيّن في الموسيقى الفلسطينيّة، خصوصاً أنّها نشأت على أناشيد الثورة الفلسطينيّة والحبّ والوطن والموسيقى الكلاسيكيّة والتراث الشعبيّ، حيث كانت تستمع في البيت اثناء طفولتها لصوت فيروز ومارسيل خليفة وزياد الرحباني والشيخ امام.

وتعود علاقة الصبّاغ فنّيّاً بابنتها حين كانت في عمر الـ12 عاماً في مدرسة المعمدانيّة في الناصرة التي قرّرت إقامة حفل موسيقيّ يؤدّي خلاله الطلبة مسرحيّة "ميس الريم" للسيّدة فيروز، وطلبوا من الصبّاغ الإشراف على إعدادها، فاختارت ريم لمهمّة الغناء.

وتقول الصبّاغ لـ"المونيتور": "في تلك المسرحيّة، برز صوت ريم للمرّة الأولى ولفت نظر الناس، وعلى أثر ذلك انضمّت إلى فرقة "أمّ سعد"، وهي فرقة محلية في الناصرة آنذاك، وكنت أرافقها للتدريب حتّى نجحت الفرقة، لكنّ قائد الفرقة قال لبنّا بعد عامين من الغناء معهم: "إنّ صوتك انتهى ولا نريدك معنا"، بمعنى ان الناس سئموا صوتها، ممّا أصابها بالحزن". وعلى الرغم من خيبة الأمل المبكرة لبنّا، إلّا أنّ والدتها دعمتها بتدريبها على غناء التهليلة الفلسطينيّة في مهرجان للتراث في الناصرة، ومهرجان يوم الارض مطلع الثمانينات من القرن الماضي حيث حقّقت نجاحاً كبيراً.

تهليلة "يا ليل ما أطولك مشّيتني حافي" هي أبرز ما غنّته ريم، كونها تجسّد وجع الأمّ الفلسطينيّة اللاجئة الغريبة عن وطنها، التي تبثّ أحزانها، لتصبح هويّة بنّا الفنّيّة، كما تقول الصبّاغ، مضيفة: "ريم استطاعت تحويل التراث الشعبيّ إلى موسيقى حديثة، وكذلك التراث المحكي بالعاميّة الذي أضافت عليه حداثة موسيقيّة، مثل أغنيّة "راس الجبل".

وأثناء دراستها في روسيا، أصدرت بنّا في عام 1985 ألبوم "جفرا"، واختارت اسمه تيمّناً بالأغنيّة التراثيّة الفلسطينيّة جفرا، وأشرفت الصبّاغ على تحضير الألبوم، بحكم عملها على جمع الفلكلور، كما أصدرت في عام 1986 ألبوم "دموعك يا أمي".

ويعدّ ألبوم "الحلم" الانطلاقة الحقيقيّة لبنّا، والعمل الخاصّ الأوّل بها، وتقول الصبّاغ: "أغنية الحلم هي اللحن الأوّل الذي لحّنته ريم من قصائدي من دون التنسيق معي، كانت الأغنية بمثابة مفاجأة"، مضيفة: "هذا التعاون استمرّ حتّى ألبومها الأخير".

وعبّرت بنّا خلال رحلتها الفنّيّة عن مجموعة قيم ورموز تبنّتها في أغانيها، وقالت الصبّاغ: "الهمّ الأوّل لريم كان فلسطين، حيث تعني لها مقاومة الاحتلال والظلم، إضافة إلى أغاني الحبّ لأنّنا لا نستطيع المقاومة من دونه".

ولعلّ أسطوانة بنّا الجديدة التي صدرت بعد رحيلها هي تجسيد حقيقيّ لتلك الرموز، خصوصاً أنّها تحمل عنوان "صوت المقاومة"، مكوّنة من 15 مقطوعة موسيقيّة (14 من كلماتها، والأخيرة من كلمات الشاعر اللبنانيّ زاهي وهبي)، وبدأ العمل عليها بعد اختفاء صوت ريم بسبب شلل في الوتر، وهو ما أعلنته في 18 كانون الثاني/يناير 2016.

وبعدما فقدت ريم صوتها، بدأت بكتابة نصوص ونشرها على الـ"فيسبوك" للتعبير عن وجعها، الأمر الذي دعا المنتج النرويجيّ إريك هيليستاد (شركة KKV) إلى الاستفادة من تلك النصوص المكتوبة وتحويلها إلى عمل فنّيّ.

ويعدّ ألبوم بنّا الأوّل من نوعه عالميّاً للمنتج هيليستاد (شركة KKV للتسجيلات الصوتيّة) ومهندس الصوت التونسيّSC MoCha من المجموعة الموسيقيّة الإلكترونيّة الناشطة Checkpoint 303 حسب الصبّاغ، نظراً إلى عدم قدرة ريم على الغناء، حيث اعتمد المنتج على مزج بيانات من ملفّات بنّا الطبّيّة (صور X-ray وPET) وتحويلها إلى أصوات، ومزجها مع قصائد تتلوها بنّا بصوتها، وتعرف هذه العمليّة بـ"صوتنة البيانات"، وهي تحويل الصور إلى أصوات إمّا باستخدام الصوتنة المباشرة لقيم البكسل في الصور إلى طيف مسموع، أم من خلال تحويل الصور إلى ملفّات midi ذات بعدين.

الألبوم الذي انتهت ريم من تسجيله في كانون الثاني/يناير 2018 في النرويج، هو مزيج بين روح المقاومة لديها وقصائدها المتمرّدة وفحوصها الطبّيّة، وقد وصفت ألبومها، قائلة: "أردت أن يكون هذا الألبوم مميّزاً وجريئاً، وليس حزيناً أو سوداويّاً... فعل مقاومة مبتكر في وجه الظلم والاحتلال في أشكالهما كافّة".
وتقول والدتها: "ريم كانت تقول لي دائماً في رأسي موسيقى كثيرة "مش قادرة أطلّعها"، لذلك غنّت راب مع شباب، وغنّت مع جوقة غربيّة، ودائماً كان لديها نفس جديد في الغناء، فغنّت الصوفيّ والكلاسيكيّ واللغة الفصحى والمحكيّة".

من جانبه، قال المدير العامّ لمعهد إدوارد سعيد الوطنيّ للموسيقى في فلسطين سهيل خوري لـ"المونيتور" إنّ الفنّ الذي قدّمته بنّا ميّزها عن غيرها من الفنّانين فلسطينيّاً وعربيّاً، فهي تملك طريقة خاصّة في التأليف الموسيقيّ والأداء، وأضافت شكلاً جديداً من الغناء مستمدّاً من تجربتها في التعلّم من الموسيقى العالميّة.

وأوضح خوري: "تميّزت ريم بصوت ليس تقليداً للصوت العربيّ الطربيّ، ويتمتّع بقوّة كامنة وغريبة تؤثّر في المستمع إليه حتّى الذي لا يفهم العربيّة، حيث تميّزت أغانيها بالطابع الوطنيّ والإنسانيّ كأغنية "سارة" التي غنّتها للطفلة سارة التي قتلت برصاص القنّاص الإسرائيليّ ودفنوها وعيناها معصوبتان".
يتم التشغيل بواسطة Blogger.