مهرجان البندقية 2025: السينما تتحول إلى منصة سياسية عالمية
مهرجان البندقية 2025: السينما تتحول إلى منصة سياسية عالمية
منذ تأسيسه عام 1932، اعتُبر مهرجان البندقية السينمائي أقدم وأعرق منصة للسينما العالمية، حيث جمع بين البريق الفني والتألق السياسي في لحظات متباينة عبر العقود. لكن نسخة 2025 جاءت مختلفة بشكل استثنائي؛ فبدلًا من الأضواء المعتادة على الأزياء والنجوم، تحولت السجادة الحمراء إلى منبر سياسي وإنساني، ناقش قضايا الحرب، المناخ، السلطة، والهوية الإنسانية. هذه الدورة أرسلت رسالة مفادها: السينما لم تعد ترفيهًا فقط، بل أصبحت مرآة لمآسي العالم وتطلعاته.
السينما بين الفن والرسالة
المهرجان هذا العام كسر القاعدة المعتادة بتقديم أعمال تحمل طابعًا سياسيًا صريحًا. لم تكن مجرد إشارات رمزية، بل أفلام بأجندة واضحة، تنبش في جراح الحروب، تهدد بطرح الأسئلة الصعبة، وتستفز الجمهور والنقاد على حد سواء. وقد انعكس ذلك في النقاشات الحادة التي رافقت العروض وفي الضجة الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
أفلام أثارت العاصفة
من بين العشرات من الأفلام التي عرضت، برزت خمسة أعمال أثارت الاهتمام عالميًا:
- The Voice of Hind Rajab: فيلم درامي يروي قصة الطفلة الفلسطينية "هند رجب" التي قُتلت في غزة أثناء الحرب. المشهد المؤثر لقصتها دفع الجمهور لتصفيق متواصل دام أكثر من 20 دقيقة، وأثار موجة تعاطف عالمية.
- A House of Dynamite: معالجة سينمائية جريئة لمسألة السلاح النووي والتهديد العالمي، بأسلوب يجمع بين السرد الوثائقي والدرامي.
- Bugonia: من إخراج اليوناني يورغوس لانثيموس، وقدّم رؤية سوداوية عن أزمة المناخ وتداعياتها على الإنسان والطبيعة.
- No Other Choice: دراما اجتماعية للمخرج بارك تشان-ووك، تطرق إلى هشاشة سوق العمل وعدم الأمان الوظيفي في المجتمعات الحديثة.
- The Wizard of the Kremlin: بطولة جود لو بدور فلاديمير بوتين، في عمل يعري السلطة الروسية من الداخل، ويضع أسئلة حول العلاقة بين الفن والسياسة.
مقارنة مع الدورات السابقة
على مدار سنوات، كانت بعض دورات البندقية تحمل بصمات سياسية، لكن نادرًا ما هيمنت القضايا الإنسانية بهذه القوة. ففي حين أن نسخة 2019 مثلًا ركزت على أعمال فنية تجريبية، ونسخة 2022 سلطت الضوء على موجة ما بعد الجائحة، فإن نسخة 2025 وضعت السياسة في صلب الاهتمام، وأكدت أن المهرجان لم يعد يتجاهل الأحداث الكبرى في العالم.
ردود فعل النقاد والجمهور
النقاد الغربيون وصفوا الدورة بأنها "الأكثر جدية" في تاريخ المهرجان، بينما رأى البعض أن التركيز المفرط على السياسة قد يُفقد السينما جزءًا من سحرها الفني. الجمهور على تويتر وانستغرام انقسم: فئة عبّرت عن تقديرها لشجاعة المهرجان، بينما انتقد آخرون ما وصفوه بـ"تسييس الفن".
البُعد الاقتصادي والتجاري
إلى جانب الرسائل السياسية، لا يمكن تجاهل البُعد الاقتصادي. شركات التوزيع العالمية سارعت لشراء حقوق عرض بعض الأفلام المثيرة للجدل، إدراكًا منها أن الضجة الإعلامية تزيد من فرص النجاح التجاري. ووفق تقارير أولية، من المتوقع أن يحقق فيلم The Voice of Hind Rajab عائدات قياسية عند طرحه عالميًا.
السينما كسلاح ناعم
تؤكد نسخة 2025 أن السينما أصبحت سلاحًا ناعمًا يُستخدم لتشكيل الرأي العام والتأثير في القرارات السياسية. عندما يُعرض فيلم عن غزة أمام جمهور عالمي، أو فيلم عن أزمة المناخ أمام صناع القرار، فإن الأثر يتجاوز قاعة العرض ليصل إلى دوائر السلطة.
ما وراء الضجة: المستقبل
يبقى السؤال الأهم: هل سيستمر هذا التوجه في السنوات المقبلة؟ وهل تصبح المهرجانات السينمائية العالمية ساحات للنقاش السياسي أكثر من كونها منصات للفن الخالص؟ المؤشرات تقول إن الجمهور بات متعطشًا لأفلام تُعبّر عن همومه وتطلعاته، لا عن قصص خيالية بعيدة عن الواقع.
الخلاصة: مهرجان البندقية 2025 ليس مجرد حدث سينمائي، بل محطة فارقة تُعيد تعريف العلاقة بين الفن والسياسة. وبينما يتجادل النقاد حول جدوى هذا التوجه، يبقى الأكيد أن هذه الدورة ستُذكر كإحدى أكثر الدورات تأثيرًا وإثارة للجدل في تاريخ المهرجان.
أضف تعليق